مقارنــــــــات, بين الشعر القديم والحر وقصيدة النثر
كاتب الموضوع
رسالة
mr.nagy مدير المنتدى
عدد الرسائل : 302 العمر : 36 توقيع الحرافيش : الشجاعه . الحريه : 0 نقاط : 29578 تاريخ التسجيل : 07/06/2008
موضوع: مقارنــــــــات, بين الشعر القديم والحر وقصيدة النثر الخميس سبتمبر 04, 2008 12:32 pm
الشعر القديم
أولاً: خصائص الشعر القديم/ شعر الوزن والقافية بحور الخليل بن أحمد الفراهيدي
تلتزم القصيدة بصرامة مستلزمات الوزن والقافية. وتزينها الديكورات الفخمة من بيان وبديع وجناس وطباق ومجاز واستعارة ولا تخلو من الحكمة والمواعظ وغيرها من أفكار فلسفية
قوافيها مضبوطة الحركات إلا ما ندر. فتسكين القوافي أمر غير مستساغ في عمود الشعر العربي، بل وقد يعتبر دليلا علي ضعف الشاعر. الشعر إيقاع وحركة تعودتهما الأذن منذ عشرات القرون
عدا عن إمكانية تجويز تسكين القوافي (وهو من الحلال البغيض، وهو سكون خارجي) ، فلا تسكين علي الإطلاق في كلمات البيت الشعري الأخر فلا سكون في داخل البيت فالداخل يعج ويضج بشتى أنواع الحركات من رفع ونصب وجر
يكاد وضوح القصيدة في المعني والإشارة والاستعارة والمجاز أن يكون كاملا أو شبه كامل فالأبيات فرادي والقصيدة ككل مفضوحة المقاصد والأغراض لا تستر نفسها إلا في القليل من الحالات مثل الشعر الصوفي
يمكن اختزال القصيدة بحذف بعض أبياتها التي تكرر معاني قيلت في أبيات أخري من دون أن يؤثر الأمر علي مجمل سياق القصيدة معني وقصدا
الحقبة الزمنية.. عمر القصيدة
يدعي المؤرخون أن امرأ القيس كان أول من قال الشعر وأول من قيد القوافي وأبد الأوابد، أي أن هذا الشعر قد ولد قبل الإسلام بقرنين من الزمان
تصميم بنائها ثابت الشكل، لأن التفعيلات تتغير بوتائر ثابتة في البيت الواحد، والبيت الواحد هذا يكرر نفسه وينقل إيقاع موسيقي هذه التفعيلات إلى عموم هيكل القصيدة. إيقاع ثابت إذن يتكرر دوريا ومحدد التغير يحمل مضامين مكررة شبه ثابتة تقادم علي أغلبها الزمن، علي أن كل طور من أطوارها يتميز ببعض المعاني والمضامين والأغراض الخاصة
نمو القصيدة الكمي عرضي ــ طولي لكنه ثابت بقوالب التفعيلات
ليست هناك فراغات مكانية سواء في البيت الواحد أو في عموم القصيدة كي يملؤها الشاعر بالنقاط. لا نقاط ولا تنقيط في القصيدة. هذا الأمر أتانا مع قصيدة الشعر الحر
تلحن وتغني بيسر. فهذا الأمر كثير الشيوع. شاع وانتشر منذ أقدم الأزمنة إذ رافق الغناء والطرب ومظاهر البطر والثراء. كما كان ــ وما زال ــ الوسيلة المثلي للتعبير عن الحزن والشجن. فما أكثر شعر المراثي والتعازي وطقوس البكاء *********** الشعر الحر
ثانيا ــ خصائص قصيدة الشعر الحر/ شعر التفعيلة الواحدة
لها إيقاعها الموسيقي الخاص ــ تفعيلة واحدة سائدة مع بعض القوافي لتخفيف وطأة الإيقاع الواحد ودفع السأم عن أذن سامعها أو قارئها
تتميز بالقليل من المحسنات البديعية ومظاهر الأبهة والفخامة وفذلكات الفكر والفلسفة .
أواخر الجمل والسطور والمقاطع ساكنة بشكل يكاد أن يكون مطلقا. وتلكم إحدى سمات الشعر الغربي المفروضة عليه بقوانين وطبيعة اللغات الغربية. عدا ذلك فلا تسكين علي الإطلاق في الباقي من كلمات البيت والمقطع ومجمل القصيدة
مرامي قصيدة الشعر الحر غير تامة الوضوح. والقصيدة ليست منبسطة أمام قارئها كالكف أو السهل الممتد أمام ناظره. تترك القصيدة أبوابها مواربة بحيث يعتري البعض من جملها أو مقاطعها شيئا من الغموض حينا ونصف العتمة حينا آخر. فيها غمزات ولمزات وإشارات قابلة للتأويل، وتلك مزايا محببة وتستلزمها مقتضيات وأصول الفن الراقي
لا يمكن اختزال القصيدة إلا بصعوبة. فحذف بعض أبياتها قد يسيء إلى مجمل معمار بنائها شكلا وفنا، بل وربما يهدم شموخ هذا البناء أو يشوه جمال توازنه الهندسي فيفقد القارئ القدرة علي التذوق الجمالي والانسجام مع سحر الإبداع العصي بطبيعته علي الفهم والتفسير.
الحقبة الزمنية
عمر القصيدة (1945 ــ 1990) ــ دشنت البشرية بعد الحرب العالمية الثانية عهدا جديدا وعصرا جديدا انتشرت ثقافات غربية وساد الكثير من أنماط حياتها في الكثير من بقاع العالم وخاصة في أوساط الشباب
خلافا للقصيدة القديمة، فان قصيدة الشعر الحر قد تمتعت بحظ وافر من حرية التصرف بالشكل كاستخدام تفعيلات قريبة صوتا من بعضها أحيانا بدل التقيد الصارم بتفعيلة واحدة بعينها. ثم الحرية في طول وقصر الأبيات والمقاطع، ثم إدخال الكثير من الرموز والأساطير ومصطلحات العصر والمفردات الأجنبية نظرا لسعة ثقافة شعرائها ومعرفة الكثير منهم لغات أجنبية سواء بالدراسة أو بالعيش في أوساط وبلدان غير عربية (أوروبا وأمريكا مثلا). كما نشطت حركة ترجمة الأشعار الأخرى الي اللغة العربية فأفاد منها الشعراء الشباب ليجدوا أنفسهم قريبين جدا من شعراء الأمم الأخرى ولاسيما شعراء النصف الأول من القرن الماضي حيث ترك بعضهم بصمات قوية علي شعر هؤلاء الشباب
جاءت قصيدة الشعر الحر في أغلبها مزيجا مخففا ومقبولا من الواقعية والرمزية. كما رأينا دواوين شعر كاملة مخصصة للمرأة والجنس بل وحتى الجنس المكشوف كشعر الشاعر العراقي (حسين مردان) والشاعر السوري (نزار قباني) مثلا. كما لم تبتعد هذه القصيدة عن السياسة وأجوائها الصاخبة أبدا بدعوى الدفاع عن قضايا إنسانية أو أممية مرة أو عن قضايا وطنية وقومية مرة أخري. كما احتلت قضية فلسطين مركزا متميزا في شعر الغالبية العظمي من شعراء هذه الحقبة، وكان الشاعر الفلسطيني (محمود درويش) وما زال فارسها العظيم
معمار القصيدة ذو شكل بسيط وثابت خال من الأركان والزوايا والشرفات والطوابق. فالتفعيلة الواحدة (وبعض أخواتها) غير قادرة بطبيعتها علي استيعاب مستلزمات التعقيد، بل ولا تحتملها أبدا. فلكل ظاهرة في الحياة قدرات محدودة علي الاستيعاب، يستوي في ذلك عالم المادة في الطبيعة والبشر والحيوان. هذه القدرات المحدودة، علي الرغم من ذلك، أفسحت المجال لإدخال مضامين جديدة أكثر تنوعا نابعة من صميم روح العصر الجديد وخاصة نتائج الثورة في مجال العلوم والتكنولوجيا
نمو القصيدة الكمي هو الآخر عرضي ــ طولي لكنه غير ثابت. الشاعر غير مقيد بعدد ثابت محدود من التفعيلات يعاد رصفه مع كل بيت من أبيات القصيدة. جو القصيدة وظروف الشاعر وأحواله النفسية هي التي تحدد طول أو قصر البيت الواحد. قد يشغل البيت سطرا كاملا من الصفحة العادية أو قد يتكون من كلمة واحدة فقط. هنا يمارس الشاعر شكلا آخر من أشكال الحرية ما كان ممكنا أن يمارسه شاعر القصيدة القديمة: حرية التصرف بالمكان أفقيا. وحرية التصرف بالمكان أفقيا تمنح الشاعر ضمنا حرية التصرف بالمكان عموديا
حرية التمدد في فضاء القصيدة المكاني أفقيا وعموديا تضع تحت تصرف الشاعر أشكالا أخري من الحريات علي رأسها حرية التصرف بالفراغات. فالفراغ حالة أخري من حالات المادة يوظفه الشاعر المبدع لخلق شتي أنواع المؤثرات التي من شأنها إثراء الجو العام للقصيدة وتلوينها بالأوضاع المتباينة لحالات الشاعر النفسية *************** قصيدة النثر
ثالثا ــ خصائص قصيدة النثر
لا وزن فيها ولا قافية
لا ديكورات فيها ولا توظف أيا من المحسنات البديعية ولا يخضع نمط التفكير فيها لقوانين الفكر المعروفة وأحكام المنطق السائد. الشاعر يرسم أجواء قصيدته وفق منظوماته الفكرية الخاصة وحسب متطلبات منطقه الخاص الذي يبدو للقارئ وكأنه لا منطق أو أنه ضد المنطق لكل شاعر عالمه الخاص الذي لا يضاهيه أحد فيه
أواخر الجمل والسطور والمقاطع جميعا ساكنة من غير استثناء
الكثير من مفردات القصيدة الداخلية قابلة للقراءة من غير حركات. سكون شبه كامل وقصيدة بلا حركات. وبهذا فإنها من بعض الوجوه شبيهة بقصائد الشعر العامي، شعر اللغة المحكية والدارجة مثل الشعر النبطي . القصيدة تبدو كعالم هامد مسطح يفتقر الي جهاز تنفسي، لأن في التنفس يتحرك الصدر الي الجهات الأربع. حركات الإعراب في لغتنا هي حقا ومجازا عمليات تنفس تتحرك الكلمات معها وفيها فتمنحها نسمة روح الحياة ودفء دماء الجسد الحي الجارية
القصيدة غامضة المرامي ومعتمة بشكل مطلق، لذا فإنها عصية علي الفهم والتفسير، حتى علي شاعرها نفسه...ربما. لم توضع القصيدة أصلا للتفسير والتأويل والأخذ والرد. علي المرء أن يقرأها وأن يتمتع بما فيها من سحر وقدرة علي بعث الدهشة في النفس البشرية وأن يتقبلها كما يتقبل لوحات (بيكاسو). قف أمامها متأملا صامتا خاشعا. قف أمامها ولا تكلف نفسك مشقة السؤال لماذا وكيف
ان قصيدة النثر إسفنجية البناء والتركيب والقوام، لذا فإنها قابلة للضغط والاختزال والشطب وتبديل مواضع الكلمات والجمل. إنها ملساء هشة، كالأفعى، أخطر وأضعف ما فيها رأسها ويستوي في ذلك السام وغير السام من الأفاعي كما يعرف الجميع
الحقبة الزمنية
عمر القصيدة ــ كتب ونشر بعض الشعراء وغير الشعراء قصيدة النثر منذ أزمان بعيدة. كما يجب ألا ننسي ونحن في معرض الكلام عن الزمن أن القرآن الكريم يمثل أعظم وأقدم قصيدة نثر في موروث العرب الديني والثقافي كما هو معروف. مع ذلك فقد ارخ عام 1990 عاما لبداية عصر سيادة قصيدة النثر شبه المطلقة. أجل، كانت قصيدة النثر معروفة قبل هذا العام ولكن أن تكون القصيدة معروفة شيء، وأن تعتلي خشبة مسرح الشعر مكللة بغار نصر غير مسبوق...شيء آخر. لقد انتصرت القصيدة أخيرا كظاهرة ومرحلة عالمية شعرية وفنية وكتابية. انتصرت علي مدرستي الشعر السالفتين: قصيدة عمود الشعر العربي ثم قصيدة الشعر الحر. وإذا كانت قصيدة الشعر الحر امتدادا و(نصف ولد شرعي حلال) للقصيدة القديمة، قصيدة الأوزان والقوافي، تحمل بعض سيمائها وشيئا من دمائها، فان قصيدة النثر لا ترتبط بأيما علاقة مع الأخيرة. إنها بالنسبة لموروثنا الشعري والثقافي مجرد (ولد سفاح) لا يعترف به قاضي الشرع
مقارنــــــــات, بين الشعر القديم والحر وقصيدة النثر